حين صرخت مادونا

‏للفن جذور ممتدة في التاريخ الإنساني، فهو المرآة التي تعكس تطور الفكر عبر العصور، ولغة فريدة لا تخضع لحدود، تُفصح لنا عن مكنونات الأمم وهويتها. فكل لوحة تنطق بتاريخ محمل فيها وأثر وجداني يخلّدها. لكن هذه القيمة الاستثنائية جعلت الفن أحيانًا تحت سطوة الطامعين؛ إذ هي تتحول في لحظة من قيمة جمالية إلى غنيمة ثمينة. ومن بين الحوادث التي هزت العالم، سرقة وقعت في وضح النهار في النرويج وتحديدًا في أوسلو.

‏خطوات مسرعة مزقت هدوء المتحف، ورجلان مسلحان متشحان بالسواد يدخلان المتحف بخطوات مسرعة وسط دهشة الزوار والموظفين مجبرينهم على الانبطاح أرضًا. كان هدفهما لوحتان حملتا معنى الجنون والتناقض (الصرخة، ومادونا)، وبلا أي مقدمات أنزلا اللوحتان من عليائهما إلى عتمة المجهول. كانت عملية السرقة سهلةً للغاية لضعف الأمن والحراسة. فهرب اللصان مع شريك ثالث ينتظرهما في سيارة خارج المبنى، مخلفان صورة عابرة التقطها أحد المارة لللصيّن لحظة فرارهما، واختفت اللوحتان مع سارقِيها لمدة عامين من 2004م حتى 2006م.

‏غابت اللوحتان عن الأنظار وعادتا في أغسطس 2006م بعملية لم تكشف شرطة أوسلو عن تفاصيلها. تضررت اللوحتان أضرارًا قابلة للإصلاح ولكنهما حُفظتا عن أعين الناظرين حتى 2021م حينما افتُتِح متحف مونك الجديد. تخللت الأحداث تفاصيل عدة، إذ قيل أنّ سرقة اللوحتين كانت غطاءً لأكبر عملية سطو نقدي في تاريخ النرويج عام 2004م. والأدهى أنّ الصرخة لم تكن غريبة عن هذا المصير، إذ سُرقت قبلها في عام 1994م ليست مرةً واحدة بل مرتين في العام نفسه!

‏ما يجعل الفن آسرًا ليس جماله وحده، بل بالقصص التي ترافقه، فقد شهدت الصرخة ومادونا -كما شهد غيرهما- على التداخل العجيب بين الفن والجريمة، ليحيطهما سحر زاد من قيمتهما الفنية والجمالية؛ حيث يلتقي الإبداع بالإثارة، فتصبح اللوحة رَاوية الحكاية.