هاجس العلو
كان من عادة الإنسان أن يشخص ببصره نحو السماء في كل حين، مأخوذًا بذلك البهاء المزين بنجومٍ كما الجواهر مرصعة في ذلك الأفق الأزرق اللامتناهي. ومنذ القدم، كان هاجس الارتقاء حلمًا يراود البشرية جمعاء يطاردهم في صحوهم ونومهم، مثيرًا فضولًا لا ينقطع.
ولم يقف الإنسان عند حدود الحلم، بل سعى إلى تحقيقه بكل وسيلة ممكنة؛ بدءًا من مراقبة الطيور ودراسة سلوكها وكيف تستقر بالجو عاليًا مترجمًا ملاحظاته إلى تجارب عملية. فمن عباس بن فرناس في الأندلس، إلى ليوناردو دافنشي في إيطاليا، مرورًا بأجيال لاحقه، استمر البحث والتجربة ليكونا شاغلا المهتمين بالطيران حتى يوم الناس هذا.
ومن شغف بلوغ عنان السماء إلى العودة الآمنة إلى الأرض، انشغل المخترعون بإيجاد وسيلة تحفظ للإنسان حياته. ففكرة المظلة القابلة للطي تعود لعدة مبتكرين ويُعزى أن أول تجربة ناجحة مسجلة كانت للطيار الفرنسي أدولف بيغو في 20 أغسطس من عام 1913م؛ حيث قفز من طائرته على ارتفاع 700 قدم -200 متر- مستخدمًا مظلة حريرية في تجربة كانت بريق أمل للطيارين وبرهانًا أن الهبوط الآمن ممكن حتى في حالات الخطر.
ألهمت تجربة بيغو العلماء والمهندسين، فكانت نقطة تحوّل كبرى في تاريخ الطيران؛ إذ أسهمت بشكل فعَّال ومباشر في اعتماد المظلات العسكرية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، فحفظت أرواحًا لا تُحصى من الجنود والطيارين. ومع تطور الطائرات وما رافقها من تعزيز إجراءات الأمان، ظلّت المظلة رمزًا للنجاة، قبل أن تتحول لاحقًا إلى رياضة وهواية مفضلة لعشّاق التحليق، ممن بقي هاجس العلو يلازم أبصارهم.
